في بعض الممالك الشرقية في العصور القديمة ، كان من حق الملوك تسخير رعاياهم لإنجاز بعض الأعمال التي يتطلبها الصالح العام ، وفي مدينة أثينا كان على المواطنين أن يقدموا بعض الخدمات لصالح المدينة ، وكان الرومان منذ عهودهم الأولى يعرفون نظام الواجبات العامة ، وبمقتضى هذا النظام كان على الموسرين من المواطنين الرومان ، أن يؤدوا بعض الخدمات للدولة ، وحين أستولى الرومان على مصر ، وجدوا فيها نظاماً للخدمة الإلزامية ، يرجع إلى عهود سحيقة ، وكان البطالمة قد سبقوهم إلى الأخذ به ، وقد أدخل الرومان على هذا النظام تعديلات ، جعلته يختلف عما كان معروفاً في عصر البطالمة ، فأمتد لكي يشمل كل فئات المجتمع .
ولكن هناك شريحة من الناس تمتعوا بأمتياز الأعفاء من الخدمة الإلزامية ، وهم المواطنون الرومان الذين يقيمون في مصر ، ومواطنو مدينة الأسكندرية ، وسكان عواصم المديريات من الإغريق ، والفائزون في المسابقات الرياضية ، وأصحاب بعض المهن مثل الأطباء ، والأشخاص الذين يعولون خمسة أطفال ، والمكلفون بتقديم الخدمات للجيش الروماني ، كما كان يتم إعفاء باقي أفراد الأسرة ، وإذا كان أحد أفرادها مكلفاً بإحدى الوظائف الإلزامية ، كما تتمتع بالإعفاء أيضاً النساء والجنود القدامى ، وبعض الكهنة وكبار السن ، والذين يعانون من الإعاقة البدنية ، وأصحاب الفئة الأخيرة كان يتم إعفاؤهم من الخدمات التي تعتمد على العمل البدني ، ولكن هذا لا يمنع من تكليفهم بالأعمال التي تعتمد على الثروة .
ومن ذلك يظهر نوعان من الخدمات الإلزامية ، قوام أحدهما العمل اليدوي ، بينما أعتمد النوع الأخر على الثروة ، وقد أخذ نظام الخدمات الإلزامية يتبلور في حوالي منتصف القرن الأول ، وأتخذ شكله المألوف في نهاية هذا القرن ومطلع القرن الثاني ، وأخذت وظائف جديدة تخضع لنظام التكليف ، وقد وصل هذا النظام إلى ذروته في نهاية عهد الإمبراطور تراجان (عام 117 م) ، فقد أتخذ هذا الإمبراطور خطوات واسعة في مجال الخدمات الألزامية ، حين جعل أغلب وظائف جباية الضرائب في أيدي جباة مكلفين .
وكان هناك أكثر من مائة وظيفة خضعت لنظام الخدمة الإلزامية ، وكان يشغل الوظيفة الواحدة شخص أو أكثر ، وفي القرنين الثاني والثالث كان أصحاب الوظائف يشغلون وظائفهم ، بالتكليف لمدة عام أو ثلاثة أعوام ، وبعد إنتهاء هذه المدة كانت الإدارة تمهل الشخص لفترة من الوقت ، قبل أن تعود إلى تكليفة بوظيفة أخرى ، ولكن هذه القاعدة لم تكن تراعى بدقة ، حيث كان يجرى ترشيح البعض مرة أخرى ، بعد فترة وجيزة من أنتهاء شغلهم للوظيفة السابقة ، وفي بعض الأحيان كان يكلف بعض الأشخاص بشغل وظيفة جديدة ، بعد أنتهاء شغلهم للوظيفة السابقة مباشرة .
وكان من الضروري التأكد من ثروة كل شخص عند ترشيحه لشغل إحدى الوظائف ، وذلك للتأكد من قدرته على النهوض بأعباء الوظيفة ، وكانت ثورات المكلفين تتفاوت حسب طبيعة الوظيفة التي يرشح لشغلها الواحد منهم ، وبمجرد الإعلان عن تكليف شخص بإحدى الوظائف ، توضع ممتلكاته تحت إشراف الدولة ، وفي بعض الأحيان كان يطلب من هذا الشخص أن يحضر ضامناً له ، حتى يمكنها أن تستدير إلى ممتلكات هذا الضامن ، في حالة عجز هذا المكلف أو هروبه ، وكانت قوائم المرشحين تقدم لحاكم المديرية "الأستراتيجوس" ، الذي يوافق عليها ويطلب إعلام المرشحين بوقوع الإختيار عليهم .
وفي بعض الأحيان كان يتم ترشيح شخص لا تنطبق عليه الشروط ، كأن يكون متمتعاً بأمتياز الإعفاء من الخدمة الإلزامية ، أو أن تكون ممتلكاته دون الحد المطلوب لشغل الوظيفة المرشح لها ، وفي هذه الحالة تطلب الإدارة من الموظف الذي قام بترشيحه إيجاد بديل له ، وإذا عجز عن إيجاد البديل ، فإن الإدارة تلزمه هو بشغل هذه الوظيفة ، وإزاء الضغوط التي عانى منها الأهالي بسبب هذا النظام الجائر ، فلم يكن أمامهم من سبيل غير الهروب من مواطنهم .