هم الذين كانوا يتمتعون بحقوق المواطنة الرومانية ، من المقيمين في نصر ، وكان هذا الوضع يكفل لهم التمتع بكافة الأمتيازات مثل الإعفاء من الضرائب والخدمات الإلزامية ، يأتي الوال الروماني على رأس هذه الفئة ، وكان يتم إرساله من روما لكي يحكم مصر بصفته ممثلاً للإمبراطور ، ويظل شاغلاً لمنصبه طالما إنة يتمتع برضا للإمبراطور ، وعادة ما يشغل منصبه لمدة تتراوح بين عام واحد وثلاثة أعوام ، وفي أحيان نادرة لمدة أربعة أعوام أو خمسة ، وكان الوالي وكبار معاونية يتخذون من الإسكندرية مقراً لهم بأعتبارها عاصمة الولاية .
وكان الوالي يغادر الإسكندرية مصطحباً بعض معاونيه ، ببقيام بجولات تفقدية في أنحاء البلاد ، فتارة يذهب إلى شرق الدلتا ، وتارة أخرى يتوجه إلى الصعيد ، وكانت تحوطهم هالة من الأجلال أينما حلوا ، بأعتبارهم رمزاً للسلطة العليا .
أما الرمز الذي كان يتعامل معه السواد الأعظم من سكان مصر ، فهم رجال الحامية الرومانية في مصر ، فكان يوجد في مصر في عهد أغسطس ما يزيد على 22 ألفاً من الجنود ، ولكن هذا العدد أنخفض في عهد خليفته تيبريوس إلى حوالي 16 ألفاً ، ثم ما لبث بعد ذلك أن أنخفض في القرن الثاني إلى حوالي 11 ألفاً .
وكانت هذه القوات من الفرق الرومانية ، التي كان أفرادها من المواطنين الرومان ، بالإضافة إلى الفرق المساعدة ، التي كان أفرادها من أهالي الولايات ، ويتولى قيادتها ضباط الرومان ، وكان من حق الجندي الذي يخدم في الفرق المساعدة ، أن يحصل على المواطنة الرومانية بعد 26 عاماً من الخدمة العسكرية ، وتجدر الملاحظة أن الخدمة العسكرية لم تكن أمراً ميسوراً أمام المصريين ، وفي أواخر القرن الثاني تم فتح باب التطوع في الجيش أمام الشباب من سكان عواصم المديريات ، والألتحاق بالفرق المساعدة ، وكان أفراد هذه الفئة في غالبيتهم من الأغريق الذين أستقروا في مصر منذ عصر البطالمة .
وبالإضافة إلى الجنود كانت هناك قلة من أغنياء الرومان يأتون إلى مصر للأستماع بشتائها اللطيف ، والأستشفاء في جوها الطيب ، كما أتخذ بعض الرومان من مصر مستقراً لهم ، وكان غالبيتهم من قدامى المحاربين ، إلا أن بعضهم كانوا ينحدرون من عائلات سكندرية ، حصبت على المواطنة الرومانية ، وتجدر الأشارة إلى أنه في خلال القرن الأول كانت سياسة الأباطرة الرومان تقوم على السماح لرجال الولايات بالألتحاق بالخدمة العسكرية ، في الفرق التي ترابط في الولايات ، لذلك فإن الجنود القدامى الذين أستقروا في مصر كانوا من أصول أجنبية ، ونظراً لطول إقامتهم في مصر ، فقد أرتبطوا بها ، وأحسوا أنهار وطنهم .
وعلى الرغم من إنه لم يكن مسموحاً للجنود بالزواج خلال الخدمة العسكرية ، لذلك فالجنود أقاموا علاقات مع نساء ، وأنجبوا منهن أبناء ، ولم يكن وضع هؤلاء الزوجات قانونياً ، طالما أن الزوج ما يزال ملتحقا ً بالخدمة العسكرية ، إلا أنه بعد تسريح الجندي كان يتم الأعتراف بتلك الزيجات ، وكان الجنود وزوجاتهم وأبناؤهم يحصلون على المواطنة الرومانية .
وعندما يتم تسريح الجندي من الخدمة العسكرية ، فإنه يكون وضع مالي طيب ، فقد كان يحصل على مكافأة مالية ، كما ان مدة الخدمة العسكرية التي كانت تقترب من ربع قرن ، كانت تفرض على الجندي إدخاراً إجبارياً من راتبه ، وكان بعض الجنود يستثمرون أموالهم في مشروعات ، تدر عليهم أرباحاً طيبة ، وكانت الأنشطة المالية لرجال الحامية تمتد إلى عدة مجالات ، مثل تجارة العبيد وغيرها من الأنشطة التجارية ، ولعل أهم الأنشطة المالية التي شارك فيها رجال الحامية ، هي إقراض الأهالي في مقابل الحصول على الربا .
كنت الإدارة الرومانية تمنح الجندي المسرح الأوراق التي تدل على أدائه الخدمة العسكرية ، وبهذين السلاحين أي المال والمستندات كان الجندي المسرح يبدأ حياتة المدنية ، فيشتري العقارات ، وكان الجنود المسرحون يحرصون على الإقامة في القرى الكبيرة ، ففي قرية فيلادلفيا بمديرية أرسينوي على سبيل النثال ، كانوا يشكلون خمس عدد الملاك في القرية ، في أوائل القرن الثالث .
ويبدو أن سكان القرى لم يكونوا يشعرون بالأرتياح لوجود هولاء الجنود السابقين بينهم ، ويرجع هذا الشعور إلى نفور الأهالي من الجنود ، وهو شعور ترسب في أعماق القرويين بسبب الأبتزاز الذي أعتاد أن يمارسه الجنود ضدهم ، كما أن الأمتيازات التي كانت تمنح للجنود المسرحين ، كانت تثير الحقد والأستياء لدى سكان القرى ، ومن ناحية أخرى ، فقد كان الجنود المسرحون يتعاملون مع الأغريق والمصريين بقدر كبير من الأستعلاء ويرجع السبب في هذا إلى رغبتهم في تعويض إحساسهم بالنقص ، لأنهم ينتمون إلى أصول متواضعة .