أن القانون الجنائي البطلمي كان يفرق بين خمسة أنواع رئيسية من الجرائم وهي :
• الجرائم ضد صوالح الخزانة العامة
• الجرائم ضد الأفراد
• الخيانة العظمى
• سوء استخدام الحقوق
• الجرائم الدينية
أولاً : جرائم النوع الأول فئتان رئيسيتان ، وكانت جرائم الفئة الأولى تتصل بالضرائب وتسمى الجرائم التي تمس دخل الدولة ، وكان يرتكب هذه الجرائم فئات مختلفة من الناس ، ويمكن تقسيم هذه الجرائم تبعًا لفئة مرتكبيها ، فقد كانوا :
أ- دافعي الضرائب الذين كانوا يحاولون التهرب من أداء الضرائب المستحقة عليهم كلها أو بعضها ، ومثل ذلك عدم إعطاء ملتزم ضريبة ما البيانات التي كان القانون يتطلبها أو إعطاؤه بيانات غير صحيحة.
ب- موظفي الإدارة المالية الذين كانوا يرتكبون جريمة من الجرائم التالية :
1. اختلاس ما جمع من الضرائب .
2. إتباع أساليب غير مشروعة في جمع الضرائب، مثل استخدام مكاييل غير قانونية .
3. الإهمال في جمع الضرائب .
4. عدم جمع العجز في حصيلة الضرائب .
5. إغفال موافاة مراقب الحسابات عن ميزان حسابات ملتزمي الضرائب .
6. استخدام أشخاص في عملية التزام الضائب لم ترد أسماؤهم في عقود الالتزام .
7. دفع مرتب الملتزم عن طريقهم مباشرة بدلاً عن الخزائن الملكية.
ج- ملتزمي الضرائب الذين كانوا يرتبكون جريمة من الجرائم التالية :
(1) إغفال تقديم شهادات الضمان للخزائن الملكية .
(2) إشراك أشخاص في التزام الضرائب لم ترد أسماؤهم في عقود الالتزام .
(3) أخذ مرتبهم من الموظفين بدلاً من الخزائن الملكية .
(4) عدم احترام القواعد الخاصة بالتزام الضائب وبشركاء الملتزمين .
(5) إغفال القواعد الخاصة بجباية الضرائب .
(6) إهمال تسوية حساباتهم مع الأويكونوموس عندما يبعث في استدعائهم لهذا الغرض .
(7) إهمال عقد اتفاق مع المزارعين .
(
إغفال إذاعة القواعد الخاصة ببيان ما يملكه الأفراد من عبيد .
(9) القيام بعملية الالتزام بالرغم منعدم الصلاحية لهذا العمل.
وكانت الدولة تفرض عقوبة الإعدام على مزيفي المكاييل ، وتصادر ثروة الذين يتهمون بالإهمال في جباية الضرائب ، أو تفرض عليهم دفع غرامة معينة للخزانة العامة ، وكذلك كانت تصادر اقطاعات الذين يقدمون بيانات غير صحيحة عن موارد دخلهم من اقطاعاتهم .
ويبدو أنه كان في وسع أي شخص إقامة الدعوى في الجرائم التي كانت عقوباتها مالية ، فكان يشارك في ذلك الأهالي والموظفون على السواء ، لكنه لوحظ أنه في جرائم التهرب من دفع الضرائب كان ملتزم الضريبة هو الذي يقيم الدعوى والحكومة هي التي تأخذ الغرامة .
أما جرائم الفئة الثانية من النوع الأول ، فكانت تتصل بأرض الملك والاحتكارات وتسمى الجرائم التي تمس أعيان التاج ، ويمكن تقسيم هذه الجرائم قسمين ، وكانت جرائم القسم الأول تتألف من الجرائم التي كانت تمس صوالح الأراضي الملكية ، و سرقة أغنام يملكها وإهمال الموظفين في جمع المحصول من المزارعين الملكيين وإشعال النار عمدًا في محصول الأراضي الملكية ، ومخالفة القواعد الخاصة بالإرغام على استخدام الأراضي الملكية .
وكانت جرائم القسم الثاني تمس صوالح الاحتكارات ، ومثل ذلك الخروج على القواعد الخاصة بأمر من الأمور التالية :
(1) أسعار العطور والبخور
(2) تزويد الإسكندرية بالزيت
(3) حظر انتاج الزيت خلسة وتهريبه
(4) استخراج الزيت في المعابد
(5) الإشراف على أدوات المعاصر وتوفيرها
(6) حظر بيع محصول الحبوب الزيتية لأشخاص أخرين عدا ملتزمي أحتكر الزيت
(7) المواد الخام والبذور
(
استخراج الزيت وبخاصة حظر انتقال العمال المشتغلين بهذه الصناعة من مقر عملهم
(9) تسليم معاصر الزيت لملتزمي الاحتكار
(10) الاتفاقات مع العمال.
وفي جرائم القسم الأول كان رجال الإدارة المالية هم الذين يقيمون الدعوى ، وأما في جرائم القسم الثاني فإنه إذا كان الموظفون يقيمون الدعوى في بعض الحالات ، فإنه يبدو أن الملتزم هو الذي كان يفعل ذلك في أكثر الحالات .
ثانيًا : وكان النوع الثاني من الجرائم يشمل الاعتداء على الناس أو ممتلكاتهم أو حقوقهم ، وكانت أخطر جريمة ضد الأفراد هي القتل .
وكان القانون البطلمي ، شأنه شأن القانون المصري ، يفرق بين القتل العمد والقتل غير العمد ، وكانت إقامة الدعوى في هذه الجريمة ، أو على الأقل في محاولة القتل بالسم ، من حق المعتدي عليه وأفراد أسرته إلى حد أنه إذا لم يظهر منهم أحد في المحكمة ليتولى الاتهام ، فإن المتهم كانت تبرأ ساحته .
و القانون المصري كان يعتبر جريمة القتل جريمة ضد المجتمع والدولة ، إلى حد أنه كان يعاقب بالموت كل من رأى جريمة قتل أو تعذيب ولم ينقذ المجني عليه مع أنه كان قادراً على ذلك ، أما إذا كان حقًا عاجزًا عن تقديم المساعدة ، فإنه كان يتحتم عليه الإبلاغ عن المجرمين وإلا كان جزاؤه الجلد والحرمان من الأكل ثلاثة أيام متوالية .
والقانون المصري كان يفرض عقوبة الموت على الذين يرتكبون جريمة القتل عمدًا ، سواء أكان القتيل رجلاً حراً ام عبدًا، و إمعانًا في العقوبة كان المجرم يعذب قبل إعدامه ، وإذا كان القاتل ابن القتيل ، فإنه كان يعدم حرقًا ، وأما الذين يقتلون أبناءهم ، فإنهم بدلاً من إعدامهم كانوا يؤمرون باحتضان جثث ضحاياهم ثلاثة أيام وثلاث ليال على مشهد من الناس وتحت رقابة الشرطة ، وإذا حكم على إمرأة حامل بالإعدام ، فإن العقوبة كانت لا تنفذ إلا بعد أن تضع المرأة طفلها ، و قوانين منف كانت تقضي بأن الذي يرتكب جريمة قتل بغير عمد لا يدخل بيته إلا بعد أن يتطهر من جرمه ويضع قربانًا على مقبرة ضحيته ، وقد كان الملك يستطيع أن يستبدل بعقوبة الإعدام الأشغال الشاقة .
وتلي ذلك من الجرائم التي كانت ترتكب ضد الأفراد ، مختلف أنواع جرائم الاعتداء عليهم ، مثل السب والضرب والتهديد بالضرب ، وكان يؤخذ بعين الاعتبار مدى خطورة إصابة المجني عليه ، وظروف ارتكاب الجريمة ، وكان القانون البطلمي يفرد نصًا خاصًا للاعتداء على الموظفين في أثناء تأدية عملهم ، وكان تقدير الأضرار يبنى على أساس أقوال المجني عليه ، ومع ذلك فإنه كان يمكن ترك ذلك لتقدير القاضي ، وكان يمكن إنهاء النزاع بالمصالحة .
وهناك سلسلة أخرى من الجرائم التي كانت القوة تستخدم فيها كالسرقة بالإكراه ، وابتزاز الأموال ، والطرد عنوة من مسكن ، والحيلولة دون تنفيذ الإجراءات القانونية ، والاعتداء على الممتلكات .
وكان السرقة تعتبر أهم الجرائم ضد الممتلكات ، وكان يزيد من خطورة الجرم عدة ملابسات ، مثل ارتكاب ليلاً ، أو مع حمل السلاح ، أو إشتراك عدد من الأشخاص في ارتكابه ، أو السطو ليلاً على المنازل ، أو انتهاك حرمة معبد’ .
وكان الأفراد المجني عليهم هم الذين يقيمون الدعوى في الجرائم المرتكبة ضدهم ، وإن كان يبدو أنه في حالة الجرائم الخطيرة كانت الدولة تتولى ذلك .
وفي جرائم السرقة كان يحكم برد المسروقات أو بتعويض وكذلك بعقوبة معينة كانت عادة مصادرة أملاك المجرمين ، وفي بعض الحالات دفع غرامة مالية .
و القانون المصري كان يحتم على الذين يريدون احتراف السرقة تسجيل أنفسهم لدى كبير اللصوص وتلسيمه في الحال ما يسرقون ، وبأن الذين يسرق منهم شيء كان عليهم الاتصال بهذا الشخص وإبلاغه عما سرق منهم ، مع بيان الزمان والمكان اللذين وقعت فيهما السرقة ، وبهذه الطريقة كان يعثر على كافة المسروقات في الحال ، وكان أصحابها يستطيعون استردادها بعد دفع ربع قيمتها ، و الدافع على إصدار مثل هذا القانون لأنه كان يتعذر منع الناس جميعًا من السرقة ، ولذلك أوجد المشرع وسيلة لاستعادة المسروقات إلى أصحابها لقاء فدية متواضعة
وتلي السرقة في الأهمية جرائم إلحاق الأضرار بالممتلكات ، مثل إطلاق المياه على الأرض المنزرعة ، والاعتداء على الماشية، وتدمير المحاصيل ، وإتلاف الوثائق ، وقطع الأشجار ، وسد قنوات الري ، وقطع الجسور ، ويدخل في نطاق الجرائم ضد الممتلكات جرائم الخداع والتدليس ، مثل تزوير الوثائق ، والتدليس في المعاملات التجارية، والتعاقد مع أشخاص قاصرين .
ووفقًا للقانون البطلمي كان لا يحق إلا للشخص الذي لحقه ضرر من جراء جريمة من الجرائم سالفة الذكر رفع الدعوى للحصول على تعويض مناسب وكذلك لأنزال العقاب بالمجرم .
ثالثًا : أما عن جرائم الخيانة العظمى ، فيلاحظ أن القانون البطلمي كان لا يفرق بين الدولة والتاج ، ويعتبر الجرائم التي ترتكب ضد الدولة جرائم ضد التاج ، وقد ترتب على حق الملوك الإلهي أن مثل هذه الجرائم كانت تعتبر ذات طابع ديني وتوصف بأنها كفر ، وكانت هذه الجرائم تشمل العيب في الذات الملكية ، والخروج على الملك ، ويبدو أن الدولة هي التي كانت تقيم الدعوى عادة في مثل هذه الجرائم . والعقوبات التي كانت تفرض على مرتكبي هذه الجرائم عبارة عن غرامات معينة .
رابعًا : أما جرائم سوء استخدام الحقوق فإنها كانت في عصر البطالمة تغيير الجنسية واللقب بطريق غير مشروع ، وكان الموظفون الذين يسمحون بذلك يعاقبون بالإعدام .
خامسًا : أما الجرائم الدينية ، فإنها وفقًا لما ورد في الوثائق البردية البطلمية كانت تشمل امتهان المقدسات ، والسطو على الأماكن المقدسة والاعتداء على حق المعابد في حماية اللاجئين إليها ، وكانت العقوبة في هذه الحالات هي الإعدام .
وقد كانت تنفذ عقوبات جسمانية مختلفة تقرب إلى حد كبير من نظام الأخذ بالثأر ، فقد كان يقطع لسان الجاسوس وتبتر أيدي مزيفي النقود والذين يطففون الموازين والمكاييل ، أو يزورون الأختام ، وكذلك الكتبة العموميون الذين يزورون في السجلات أو يمحون شيئًا منها ، أو يقدمون عقودًا غير صحيحة ، وكانت تستأصل أعضاء تناسل من يرتكب جريمة هتك العرض وتجدع أنف المرأة الزانية ، أما الزاني فكان يجلد .