أولى أغسطس أهتماماً كبيراً للزراعة في مصر ، بأعتبارها عماد الأقتصاد المصري عبر العصور ، فعهد إلى جنوده بإصلاح نظام الري في مصر ، ونتيجة لهذه الجهود فإن إنتاج المحصول الوفير أصبح يتطلب أن يكون أرتفاع منسوب النيل 12 ذراعاً فقط ، بعد أن كان يتطلب 14 ذراعاً ، وبينما كانت مصر في السابق يمكن أن تتعرض للمجاعة إذا كان أرتفاع منسوب النيل 8 أذرع ، أصبح هذا المنسوب لا يمثل خطراً على البلاد بأي شكل .
حرص أغسطس على عدم إدخال تغيرات جوهرية في نظام الأرض الزراعية ، ومن الجدير بالذكر أن الأرض الزراعية في عصر البطالمة ، كانت تنقسم إلى قسمين رئيسيين ، أولهما الأرض الملكية ، وهي تلك الأراضي التي كان الملك يستثمرها بشكل مباشر ، عن طريق تأجيرها إلى مزارعين ، يتولى الإشراف عليهم موظفو الدولة ، أما القسم الأخر فهي تلك الأراضي التي كان الملك يتنازل عنها لأخرين ، لكي يقوموا بزراعتها نظير شروط محددة ، ويشمل هذا القسم أراضي المعابد ، وأراضي الإقطاعات العسكرية ، وأراضي الهبات التي كان الملك يختص بها بعض رجال الإدارة المدنية ، بالإضافة إلى شريحة كانت تعرف بأرض الأمتلاك الخاص ، والأراضي التي كنت تمنح للمدن الإغريقية في مصر .
وفي عصر الرومان ايضاً أنقسمت الأرض الزراعية إلى قسمين رئيسيين ، أولهما أرض الدولة ، أما القسم الأخر فهو أرض الأمتلاك الخاص .
أولاً : أراض الدولة :-
1. الأراض الملكية
وهي الأرض التي كانت تحمل ذات الأسم في عصر البطالمة ، وقد ألت ملكيتها إلى الدولة الرومانية بعد فتح مصر ، وظل هذا النوع كما كان العهد له في عصر البطالمة ، يؤجر في شكل مساحات صغيرة إلى مزارعين يطلق عليهم المزارعون الملكيون ، وكان هؤلاء المزارعون يدفعون إيجاراً عينياً يمثل نسبة من المحصول ، ومن حق مزارع الأرض الملكية أن يحصل على قرض من الغلال من صوامع الدولة ، على أن يعيده بعد جني المحصول ، بالأضافة إلى الفوائد المستحقة عليه ، ويشرف على هذه الأرضي مدير الحساب الخاص "الإديوس لوجوس" .
2. الأراض العامة
ان هذا الأسم يطلق على الأراضي الرملية ، أو الأراض المتاخمة للصحراء ، ويبدو أن غالبية هذه الأراضي كانت ذات إنتاجية منخفضة ، لذلك كان إيجارها منخفضاً أيضاً ، وكانت تخصص للزراعات الخفيفة ، وكانت الدولة تجد صعوبة في إيجاد مزارعين يقبلون القيام بزراعة هذه الأرض ، لذلك كان الموظفون يلجأوون إلى إرغام المزارعين على أداء قسم بأسم الإمبراطور ، بأنهم سوف يقومون بزراعة هذه الأرض ، وتأدية الألتزامات المستحقة عليها ، وكان يطلق على هؤلاء المزارعين إسم "مزارعو الدولة" .
3. أراضي الضياع الإمبراطورية
يختلف نظام الضياع في عصر الرومان إختلافاً جذرياً عن نظام الضياع في عصر البطالمة ، ففي عصر البطالمة كان الملوك يمنحون كبار موظفيهم ووزراءهم مساحات من الأرض الزراعية ، وكانت هذه الأرض بمثابة هبة ملكية لهؤلاء المعاونين من أجل تشجيعهم على أستثمار أموالهم في تلك الأراضي ، وخير مثال على هذه الهبات ، الضيعة التي وهبها بطليموس فيلادلفوس إلى وزير ماليته أبوللونيوس .
أما في عصر الرومان فقد أختلف الأمر ، فإن أغلب أصحاب الضياع لم يكونوا يقيمون في مصر ، بل كانوا يقيمون في روما ، ولم تكن الضياع تؤول إلى أصحابها عن طريق الهبة ، وإنما عن طريق الشراء ، وأغلب الظن أن الرومان حينما صادروا أراضي الإقطاعات العسكرية البطلمية ، وأراضي الهبات ، أضافوا إليها تلك الآراضي التي مات أصحابها ، دون أن يكون لهم ورثة ، وكان يتم عرض هذه الأراضي في مزاد علني ، حيث يتقديم لشرائها أثرياء الرومان ، وقد شجع أغسطس أل بيته على شراء تلك الأراضي ، فعلى سبيل المثال ليفيا زوجة أغسطس كانت تمتلك ضيعة في قرى الفيوم ، وكذلك الأمير جرمانيكوس ، والأميرة أنطونيا إبنة ماركوس أنطونيوس من أوكتافيا .
كما شجع أغسطس أصدقاءه وكبار رجال الدولة في عهده ، على شراء الأراضي في مصر ، فمثلا مايكيناس وزير الثقافة في عصر أغسطس ، وصديق الشاعر ثرجيل كانت له ضيعة في الفيوم ، كما كان الفيلسوف سينيكا معلم الإمبراطور نيرون يملك ضيعة في إقليم أوكسيرينخوس .
ومن ناحية أخرى أقبل أثرياء الرومان الذين كانوا يقيمون في مصر على أمتلاك أراضي الضياع الإمبراطورية ، وكذلك أثرياء الإسكندرية .
لم يلبث الكثيرون من أصحاب الضياع الإمبراطورية أن أخذوا في التنازل عنها للدولة ، مثلما فعل مايكيناس ، وألت ملكيتها إلى الخزانة الإمبراطورية ، وفي عام 69 م حينما تولى العرش الإمبراطوري فسباسيانوس ، أصدر السناتو قراراً بمنحه كل الأملاك الإمبراطورية ، فأصبحت هذه الأراضي ملكاً للإمبراطور بصفة شخصية ، وشكلت قسماً من الأراض العامة التي تمتلكها الدولة .
ويتم أستغلال أراضي الضياع عن طريق تأجيرها إلى مزارعين ، يطلق عليهم مزارعوا الضياع ، وكان بأستطاعة المزارع أن يستأجر أراض في أكثر من ضيعة ، وقد فرضت على أراضي الضياع نوعان من الضرائب ، أولاهما ضرائب عينية ، كانت تفرض على الأراضي التي تزرع غلالاً ، أما النوع الثاني ، فهي الضرائب النقدية ، التي كانت مقررة على حدائق الفاكهة .
4. أراضي المعابد
في عصر البطالمة كانت في حوزة المعابد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ، وقد أزدادت مساحات هذه الاراضي في الشطر الثاني من عصر البطالمة ، وعندما فتح الرومان مصر ، رأى الإمبراطور أغسطس أن تمتع المعابد بتلك المساحات الكبيرة من الأراضي يضع تحت أيدي الكهنة موارد جمة ، مما يؤدي إلى تعاظم دورهم في المجتمع ، فقرر أن يعمل على تقليم أظافر الكهنة ، فأمر بمصادرة أراضي المعابد ، وجعلها ملكاً للدولة ، وتقرر وضعها تحت إدارة مدير الحساب الخاص "الأيديوس لوجوس" ، الذي تولى منصب رئيس الكهنة في مصر أيضاً ، ولكن الدولة لم تشأ حرمان الكهنة كلية من الأرض الزراعية فخصصت بعض المساحات للإنفاق على شئون العبادة .
5. أراضي المستنقعات
كانت هذه الأراضي ذات إنتاجية منخفضة ، وتقع غالباً في الدلتا ، ونظراً لأنخفاض إنتاجيتها ، فإن الضرائب والأيجارات المقررة عليها كانت منخفضة أيضاً .
6. أراضي الدخل
الضرائب التي كانت مستحقة عليها كانت مرتفعة نسبياً ، وتشبه إلى حد كبير تلك التي كانت مقررة على الأرض الملكية ، وربما كانت هذه الأرض هي تلك المساحات التي تقوم الدولة بمصادرتها بسبب فشل أصحابها في أداء ألتزاماتهم ، حيث كان يتم وضعها تحت إشراف مدير الحساب الخاص لبعض الوقت ، حتى يتم حسم أمرها ، وتوضع تحت تصنيف أخر من الأراضي .
ثانياً : أراضي الأمتلاك الخاص :-
يعتبر هذا النوع من الأراضي من المعالم البارزة للسياسة الزراعية للرومان في مصر ، فهي تتسق مع سياستهم الأقتصادية التي ترمي إلى تشجيع الملكية الخاصة ، وكانت هذه الأراضي تعد ملكية خاصة للأفراد ، ومن حقهم التصرف فيها بالبيع و الرهن والتوريث ، وكانت الضريبة المقررة عليها مقدارها أردب عن كل أرورة ، وكان من حق أصحاب هذه الأراضي أن يؤجروها لأخرين ، طبقاً لعقود يتم إبرامها بين الطرفين ، تحدد فيها حقوق كل طرف ، وقد نص في بعض هذه العقود على تحديد نوعية المحصول ، الذي ينبغي زراعتة في الأرض ، ولكن في أحيان أخرى كان للمستأجر مطلق الحرية في زراعة الأرض كيفما يشاء ، وكان للنساء الحق في تملك بعض المساحات من الأراضي التي تنتمي إلى أراضي الأمتلاك الخاص .
وكان من حق مزارعي أرض الأمتلاك الخاص الحصول على قروض من صوامع الغلال التي تمتلكها الدولة ، ومن حقهم أيضاً أن يطلبوا تخفيض الضرائب المقررة عليهم ، في حالة عدم وصول مياه الفيضان إلى أراضيهم .
وبالأضافة إلى الأراضي التي كان يمتلكها الأفراد ، كانت هناك أراض خاصة بالمدن ، وهي التي كانت تتمتع بها المدن الأغريقية في مصر ، والتي كانت موجودة منذ العصر البطلمي ، وقد زادت عندما أضاف الرومان مدينة رابعة هي مدينة أنتينوبوليس ، ويخصص دخل هذه الأراضي للإنفاق على إدارة شئون هذه المدن ، و بعض المدن كانت تمتلك أراض زراعية في مناطق بعيدة عنها ، فقد كان لمدينة الإسكندرية مساحات من الأراض في الفيوم .
أما عن المحاصيل الزراعية ، فقد كان القمح أهم تلك المحاصيل ، وكان القمح الذي يزرع في صعيد مصر هو الأفضل ، لأن طبيعة أرض الدلتا التي تسودها المستنقعات ، أقل صلاحية لزراعة القمح ، وقد أولت الدولة عناية خاصة لهذا المحصول نظراً لحاجة روما الشديدة له ، ويأتي الشعير في المرتبة الثانية ، الذي يستخدم كعلف للخيول ، كما كانت تصنع منه الجعة المشروب الرئيسي للمصريين ، كما أنتشرت زراعة البقوليات بأنواعها المختلفة ، إضافة إلى الخضر والفاكهة ، كذلك مزارع الزيتون والكروم ، وفي جنوب مصر وجدت بكثرة أشجار النخيل ، ويُقال أن مصر عرفت زراعة القطن في العصر الروماني ، وأن الملابس القطنية كانت هي المفضلة لدى الكهنة .
وقد أرتبط بالزراعة أرتباطاً وثيقاً ، عمليات مسح الأراضي فقد كان فيضان النيل في كل عام يغير شكل الأراض الزراعية ، وكانت عملية مسح الأراضي أمراً ضرورياً من أجل تقدير الضريبة المقررة على الأراض الزراعية ، والتي كانت تختلف من منطقة لأخرى ، فإن الأرض التي كانت تروي بسهولة ، فرضت عليها ضرائب أعلى من تلك التي لا تصل إليها مياة النيل ، وكانت الإدارة الرومانية في مصر تحتفظ لديها بسجىت دقيقة عن أوضاع الأرض الزراعية .