الفارق بين التشريعين المصري والإغريقي يبدو لأول وهلة في تنظيم الأسرة ، فالشواهد كثيرة على أن المرأة كانت تتمتع في مصر بمكانة اجتماعية وقدر من الاستقلال لم تعترف بهما الشرائع للمرأة الإغريقية .
فعند الغربيين لم يعترف القانون إلا بالطفل الذي كان قبل كل شيء ابن أو ابنة الأب الشرعي ، على حين أن القانون المصري كان يعلق أعظم الأهمية في مسائل البنوة الشرعية والوراثة على الأم التي أنجبت الطفل ، وهذا يبدو غريبًا في جماعة لم يحظر فيها القانون تعدد الزوجات إلا على الكهنة ، لكنه إذا كان القانون المصري يبيح تعدد الزوجات ، فإن الوثائق الديموطيقية من عصر البطالمة تدل ، بما فيها من الالتزامات نحو الزوجة وأطفالها ، على أنه كان يتعذر فعلاً على الزوج أن يتخذ أكثر من زوجة واحدة .
و توجد أمثلة لتعدد الزوجات بين المصريين قبل عصر البطالمة وفي أثناء هذا العصر ، وعند الإغريق أيضًا لم يحظر تعدد الزوجات القانون ، وإنما العرف والرأي العام والنص على ذلك في عقود الزواج .
و الزوج كان يعد في عقود الزواج المصرية بإطاعة زوجته ، و الرجال في مصر كانوا يقومون ببعض الأعمال في البيت مثل النسيج بينما تخرج النساء لتكسب قوت الأسرة ، فلا شك في أن ذلك من باب المغالاة ، لكنه يدل على الأقل على المكانة السامية التي كانت تتمتع بها المرأة المصرية ، وإلى أي حد كانت العادات المصرية تبدو غريبة في نظر الإغريق . و وثائق كثيرة توضح أن الزوج كان يضع نفسه كلية في قبضة زوجته وينزل لها عن أملاكه قائلاً : "أنت التي ستعنين بي في حياتي، وإذا مت فأنت التي ستتولين أمر دفني ومقبرتي".
وقد كانت المرأة المصرية لا تتزوج إلا بمحض إرادتها وبشروط كانت عادة ثقيلة على الزوج ، إلى حد أنها رأينا كانت تجعل تعدد الزوجات أمراً متعذرًا في الواقع وإن كان مباحًا في الشكل ، وكانت تستطيع أيضاً الانفصال عن زوجها متى شاءت ، وأن تطالب زوجها إذا طلقها بالصداق الذي وعدها به في عقد الزواج ، وأن تتصرف تصرفًا كاملاً في أموالها .
فالقانون كان يخول للمرأة المصرية أن تتصرف في نفسها وفيما تملك دون أي قيد أو شرط ، وذلك على خلاف المرأة الإغريقية ، فقد كان القانون يعتبرها قاصرًا ويفرض وجود وصي شرعي عليها في كافة تصرفاتها .
لكن المرأة المصرية لم تنعم طويلاً بهذه الحرية في عهد البطالمة ، فإنهم على الرغم مما أدعوه من احترام التقاليد المصرية رأوا أن يساووا بين المرأة المصرية والمرأة الإغريقية ، وذلك دون شك لكي لا تتبرم الإغريقية وتضيق ذرعًا بحالتها إزاء ما كانت تنعم به المصرية من الحقوق .
ووفقًا لأحكام القانون الأغريقي كانت المرأة تخضع قبل الزواج لولاية أبيها، وبعد الزواج لوصاية زوجها ، ومن بعده لوصاية ابنها أو أبيها أو جدها أو أخيها ، ولما كان الابن الرشيد يصبح وصيًا على أمه ، فلا بد إذن من أنه إذا فقدت الفتاة أباها وكان لها أخ رشيد ، فإنه هو الذي كان يصبح وصيًا عليها بعد وفاة الأب .
وتشير القرائن إلى أنه حين ساوى البطالمة بين المرأة المصرية والإغريقية من حيث اعتبارها قاصرًا ، أدخلوا على القانون المصري الأحكام الإغريقية الخاصة ببيان الأوصياء على المرأة ، ولاسيما أن أولئك الأوصياء أقرب أقاربها وأحق الناس بالولاية عليها ، وإذا لم يكن للمرأة وصي ممن ينص عليهم القانون أو وصية أبيها ، فإنها كانت تلجأ إلى السلطات المختصة لتعين لها وصيًا ، وكان يجب أن يكون الوصي من جنسية المرأة .
وكما تأثر القانون المصري بالقانون الإغريقي في حالة الوصاية على النساء ، تأثر به كذلك في حالة الوصاية على القاصرين من الصبيان ، وفي هذه الأحوال أيضًا كان يشترط أن يكون الوصي من جنسية القاصر ، وكان يمكن أن يتولى الوصاية على الصبية الرجال وكذلك النساء .
في حالة الإغريق كان والوصاة يخضعون في تصرفاتهم لرقابة محاكمة القضاة الإغريق وفي حالة المصريين لرقابة محاكم القضاة المصريين .
وكانت مدة الوصاية على القاصرين تنتهي في حالة الصبية عند بلوغ الرابعة عشرة من عمرهم ، أما في حالة الفتيات ، فإن الوصاية عليهن كانت لا تنتهي بالزواج وإن كانت تنتقل عندئذ من الوصي الأصلي إلى الزوج .
وقد كان القانون المصري يبيح زواج الأخ من أخته ، ولم يعترض البطالمة على ذلك بل شجعوا هذه العادة بما فعلوه أنفسهم ، على حين أن قانون أثينا كان يعتبر مثل هذا الزواج رجسًا فاحشًا ، وإن كان يبيح زواج الأخوة إذ لم يكونوا من أم واحدة .
ويعتقد كثيرون أن القانون المصري كان يعترف بنوعين من الزواج يدعو العلماء أحدهما "الزواج الكامل" والآخر "زواج المتعة" أو التجربة ، ومنشأ هذا الاعتقاد هو وجود هذين الاصطلاحين في وثائق عصر البطالمة ، إلا أن ذلك لم يقض على فكرة وجود نوعين من الزواج عند المصريين .
ويفسر الزواج الكامل بأنه زواج يثبت وجوده عقد رسمي ، يتضمن الوعد بأن يحيا الطرفان معًا حياة زوجية ، وكذلك شروطًا خاصة بالصداق وغير ذلك من العلاقات المادية بين الطرفين ولاسيما حقوق الأولاد .
أما زواج المتعة فيفسر بأنه زواج مؤقت يرى البعض أنه لم يكن مصحوبًا بعقد ، على حين يرى البعض الآخر أنه كان لهذا الزواج أيضًا عقد ، غير أنه لم يتضمن التزامات دائمة بين الطرفين .
ونحن نرى أنه ليس من المستبعد أن إتمام الزواج عند قدماء المصريين كان لا يتطلب في أبسط مظاهره أكثر مما تقضي به الشريعة الإسلامية السمحاء من أن يقبل الطرفان الزواج من بعضهما بعضًا، لكنه لإثبات حقوق الزوجة والأولاد أصبح يتعين تحرير عقد ، و زواج المتعة أو زواج التجربة كان يستبدل به زواج كامل في بعض الأحيان ، ولعل ذلك كان يحدث إذا ثبت نجاحه من حيث صلاحية الزوجة أو مقدرتها على إنجاب الأطفال ، وعندئذ كان يحرر عقد زواج كامل .
ووثائق الطلاق بسيطة في معناها ، فإنها كانت تحرر على نمط الخطابات ومن صورتين تعطي أحداهما لكل من الطرفين ، وكان لا يذكر في هذه الوثائق سبب الانفصال ، بل يكتفي بالنص على أنه لم يعد لأحد الطرفين حقوق على الطرف الآخر ، مع التعهد بألا يقاضي أحدهما الآخر ، والاعتراف بحرية كل منهما في أن يعقد زواجًا جديدًا، وبيان حقوق الأطفال الذين أنجبهم الطرفان .
ويتبين من العقود الإغريقية أن الصداق كان يتألف عادة من مبلغ من المال ، أو من ملابس ومجوهرات ، أو في بعض الأحيان من مجوهرات وملابس ومبلغ من المال أيضًا ، ويبدو أن ملابس الزوجة ومجوهراتها كانت على نوعين : فإن أحدهما كان يعتبر جانبًا من أملاك أسرتها بسبب قيمته الكبيرة ويمثل الصداق أو جزءًا منه ، وكانت قيمته تقدر بدقة ، وكان الزوج يعتبر مسئولاً عنه إذا مسه سوء أو نقصت قيمته ، أما النوع الآخر ، فكان أقل قيمة وتستخدمه الزوجة في حياتها اليومية ويعتبر ملكًا خاصًا لها ولم يعتبر جزءًا من الصداق ، وكان الزوج لا يحاسب عليه .
وقد كان الصداق يلعب دورًا هامًا جدًا في عقود الزواج الإغريقية ، حتى أن "عقود الاتفاق" لم تكن في الأصل أكثر من إيصال باستلام الصداق يعطيه الزوج لأبوي الزوجة أو للزوجة نفسها ، فالصداق كان يعتبر ملكًا خاصًا للزوجة وأسرتها يرد إليها إذا طلقت ، ويؤول بعد وفاتها لوارثيها . و كان يحق لكل من الزوجين أن يرث الآخر ، وكان يضمن استرجاع الصداق طرف ثالث أو أملاك الزوج ، وكان القانون يعطي الزوجة وذويها حق الرجوع على أملاك الزوج وشخصه في حالة عجزه عن رد الصداق .
وفي بعض الأحيان ، كانت الزوجة تملك أيضاً أملاكًا أخرى كالعبيد أو العقار من وقت سابق على الزواج ، أو منذ الزواج نتيجة لتقديمها هدية من أحد أقاربها بمناسبة الزواج . وفي الحالة الأولى كانت الممتلكات تذكر في وثيقة الزواج ، لبيان حق الزوج في استغلالها ، وبيان مآلها في حالة الطلاق أو في حالة وفاة أحد الطرفين ، أما في الحالة الثانية فإنه كان يضم إلى وثيقة الزواج عقد الهبة ، مع بيان حقوق الزوج ومآل الأملاك في حالة الوفاة أو الطلاق ، وفي حالة وفاة أحد الزوجين كانت الأملاك تؤول إلى الآخر والأولاد ، أما إذا لم يوجد أولاد فإنه كان يحق لأحد الطرفين أن يرث الآخر .
ومما يجدر بالملاحظة أن الإغريقيات كن يتزوجن في سن مبكرة جدًا ، فهناك زوجات كانت تتراوح سنهن بين الثانية عشرة والعشرين ، أما الرجال فيوجد مثل واحد لزوج كانت سنه خمسة عشر عامًا ، على حين أن الأمثلة الأخرى هي الأشخاص تزيد سنهم على العشرين ، ومن ثم كان سن الزوج عادة أكبر من سن الزوجة ، وقد كانت أم الزوجة تنوب عنها على الدوام تقريبًا في تحرير عقد الزواج ، وفي بعض الأحيان كان أبوها هو الذي ينوب عنها ، وفي أحيان قليلة كان الأبوان معًا يقومان بذلك . وفي عدد من الحالات الزوجة تتعاقد بنفسها مع الزوج ، وإنما مع وجود وصي ، أما الزوج فإنه قلما كان لا يتولى التعاقد بنفسه .
أن سكان مصر في عصر البطالمة كانوا يتألفون من ثلاثة عناصر رئيسية ، وهي الإغريق وفرس السلالة والمصريون . ويبدو التزاوج بين هذه العناصر كان بوجه عام نادرًا ، لكنه ليس معنى ذلك أنه لم يحدث أي تزاوج بين هذه العناصر ، ويعتقد البعض أنه في مثل هذه الزيجات كان الناس يلجأون إلى نظام خاص للتوثيق .
وقد كان يحرر عقود الزواج المصرية ، وكذلك سائر العقود الديموطيقية ، كتبة مصريون ينتمي أغلبهم إلى فئة الكهنة ، وكان يطلق عليهم بالإغريقية مونوجرافوي (Monographoi) ، أما العقود الإغريقية فقد كان يحررها كتبة عاديون ، أما لعقود التي كان فيها أحد الطرفين مصريًا والآخر إغريقيًا ، فإنها كانت تحرر وفقًا للقانون المصري أو الإغريقي تبعًا لما يستقر عليه رأي الطرفين ، ويتبين نوع الاختيار من اللغة التي حرر بها العقد .