قد كان الاهتمام بالمستقبل يدفع المصريين ، الذين كانوا في سعة من العيش ، إلى التصرف فيما يملكون ، وهم على قيد الحياة ، بتقسيم أملاكهم واتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان الاتفاق على الطقوس الخاصة بهم بعد مماتهم ، فالقانون المصري لم يعترف بالوصايا وذلك على عكس القانون الإغريقي الذي كان يبيح ترك وصايا يوزع الموصي بمقتضاها كل أملاكه أو بعضها بعد وفاته بشرط عدم تخطي أبنائه ، وقد كان المصريون يستطيعون الاستفادة من ذلك وترك وصايا إغريقية .
و إذا توفي الأب دون ترك وصية ، أو في حالة المصريين إذا لم يكن قد قسم أملاكه وهو على قيد الحياة بين أبنائه ، فكان القانون المصري يرتب الورثة طبقات ويضع الأولاد في مقدمة ورثة الآباء ، ويقضي بالمساواة في التقسيم بين البنين والبنات ، على أن يخلف الابن الأكبر أباه في الوصاية على الأولاد والبنات القاصرين ، وأن يكون من حقه الحصول على نصيب يعادل ضعف نصيب الأخ أو الأخت الأصغر ، وكان يحق للأحفاد الحصول على نصيب أبيهم إذا توفي قبل جدهم .
وفي حالة عدم وجود وصية ، كان القانون الإغريقي يعطي الأبناء الأسبقية في وراثة آبائهم ، وكانت أنصبة الأبناء متساوية ، لكنه يبدو أن القاعدة المصرية ـ التي كانت تميز الابن الأكبر ـ صادفت قبولاً ولو محدودًا لدى الإغريق وكان لا يحق للبنت مشاركة أخواتها الذكور في الإرث لكنه كان يحق لها الحصول على صداق من أبيها ، أو بعد وفاته ، من أخوتها ، وكانت البنت لا ترث إلا إذا كانت الوريثة الوحيدة ، وفي هذه الحالة كان يتعين عليها أن تتزوج من أقرب أقاربها لتحتفظ بالإرث في الأسرة ، وإذا لم يوجد أبناء أو أحفاد كان الإرث يؤول إلى أحد الزوجين ، أما إذا لم يوجد ورثة مباشرون فإن الإرث كان يصبح من حق أخ المتوفى وأبنائه أن وجدوا وإلا فإن هذا الحق كان يؤول إلى أخت المتوفى وأبنائها ، وفي حالة عدم وجود ورثة كان الإرث يؤول إلى التاج .
ووفقًا للقانون المصري ، كان على الابن الذي يطالب بتركه باعتبارها إرثا من والديه إثبات صلته بالموروث قبل أن يستطيع استلام التركة .
ووفقًا للقانون الإغريقي كان يجب على الوريث قبل تسلمه التركة إثبات أنه ابن شرعي للمورث وإعلان قبوله للإرث .
ويعترف القانون المصري بحق الوريث في التنازل عن إرثه في أثناء حياة المورث وبعد وفاته ، وقد اقتفى الإغريق أثر هذه القاعدة ، مع ملاحظة أنه في بعض الأحيان كان الإرث ينتقل نتيجة لعملية بيع مشروطة بقيام المشتري بسداد ما على التركة من ديون .
ويبدو أن فكرة مسئولية الوريث عن ديون المورث تتفق مع روح قانون الوراثة المصرية ، أما فيما يخص إغريق مصر ، فقد كان المبدأ العام هو أن عبء ديون المورث يقع على الإرث وليس على الورثة فيما عدا الديون العامة ، فقد كان الورثة مسئولين عنها .
وكان القانونان المصري والإغريقي يعترفان بالهبات التي تمنح بمناسبة الوفاة ، لكنه كان ينص في العقود على عدم تنفيذها إلا بعد حدوث الوفاة .
وكانت هذه العادة أكثر شيوعًا بين الإغريق منها بين المصريين . ولم تكن هذه الهبات خاضعة للقيود الخاصة بالوصايا لكنها كانت متأثرة بها.