لضمان تنفيذ العقود بأمانة ، كان المصريون والإغريق يضعون فيها شرطًا يقضي على الطرف الذي لا يحترم العقد بدفع غرامة معينة للخزانة الملكية ، أو كان الدائن يقبل بأن يعامل معاملة المدين للإدارة المالية ، ومعنى ذلك حبسه إذا لم يسدد دينه .
وثمة وسيلة أخرى ، وهي وضع شرط جزائي في العقد كان المدين الذي لا يسدد دينه يعتبر بمقتضاه مدانًا مقدمًا دون محاكمة ، ويتحمل العقوبة التي كانت تفرض في مثل هذه الأحوال ، وكان هذا الشرط التنفيذي يستكمل غالبًا بالنص على صلاحية العقد في كل مكان ، وبتوقيع حارس العقود بما يؤيد ذلك .
ويستخلص من العقود المتعددة التي تشمل هذه الصيغ أن القانون الإغريقي ، الذي كان يألف كل هذه الوسائل في سداد الديون المتأخرة ، قد طبق في مصر منذ بداية عهد البطالمة على النزلاء الأجانب على الأقل ، ولاشك في أنه طبق سريعًا بعد ذلك على كل سكان البلاد ، ولابد من أن الخطوة الأولى في هذا السبيل كانت صدور أمر ملكي ، يتضمن قواعد قانون الدين الإغريقي .
ومن أجل ضمان حقوق الدائنين ، كان القانونان المصري والإغريقي يعترفان بوسائل أخرى قديمة العهد غير تسجيل العقود والنص فيها على أن المدينين الذين لا يسددون ديونهم يدفعون غرامة معيشة للإدارة المالية .
وإحدى هذه الوسائل تشبه "رهن الحيازة" اليوم ، إذ أنه عند عمل القرض كان المدين يقدم بمثابة ضمان عينا تعادل قيمتها بوجه التقريب المبلغ الذي يتعهد الدائن برد العين عند سداد الدين ، وإذا لم يسدد المدين دينه، فإن الدائن كان يطلب إليه ذلك عن طريق رجال الإدارة ، وعند عدم وفائه بما التزم به كان يحرم حق استرداد الضمان وتمنع ملكيته للدائن ، لكنه كان من حق المدين استرداد ما رهنه عند سداد الدين .
وكانت الوسيلة الثانية تتلخص في إعطاء الدائن حق استغلال عين يملكها المدين ويرهنها لديه أو يقرضها له أو يؤجرها له ، وكان دخل العين في الحالتين الأولى والثانية أو إيجارها في الحالة الثالثة يعتبر فائدة للدين ويستخدم في استهلاكه إذا زاد الدخل على الفائدة .
أما الوسيلة الثالثة فهي الرهن وتشبه "الرهن الضماني" اليوم ، وهو في معناه القانوني حق الدائن على عين تبقى في قبضة المدين ، غير أن قيمتها كانت تضمن سداد الدين ، فإنه في حالة عدم السداد كان يحق للدائن بيع العين المرهونة أو الاستيلاء عليها وفاء لدينه حتى ولو كانت قيمتها تزيد على الدين ولقد كانت هذه الوسيلة تستخدم قبل كل شيء في عقود الالتزام .
و الوسيلة الرابعة كانت أيسر من غيرها ، ولذلك يبدو أن الأهالي كانوا يفضلونها ، وهي تماثل "البيع الوفائي" اليوم ، وتتلخص في أن يبيع المدين العين المقدمة ضمانًا لدائنه مع احتفاظ الأول بحق الاسترجاع ، ضمانًا لمبلغ معين ، وبذلك فإن هذين الشخصين قد تنازلا عن أي حق لهما على هذه الأرض بمقتضى ذلك البيع ، وكانت هذه الوسيلة أيضًا مألوفة عند الإغريق مع فارق هام وهو أنه بمجرد عمل العقد كانت ملكية العين تنتقل إلى الدائن ، وإذا سدد المدين دينه كان يتعين عمل عقد جديد لإعادة نقل ملكية العين ، وكان يمكن أن يستخدم لهذا الغرض عين ثابتة أو منقولة .
وكانت الوسيلة الخامسة ، تتلخص في أن يسلم المدين للدائن عقود ملكية عين يملكها وذلك ضمانًا لعدم تصرف المدين في تلك العين إلى أن يسدد دينه ، وكان الدائن لا يكتسب نتيجة لذلك أي حق على تلك العين ، لكنه إذا لم يف المدين بدينه كان في وسع الدائن اتخاذ الإجراءات القانونية لحرمانه ملكية العين أو التنفيذ ضد كل ممتلكاته .
وتتصل بالقروض اتصالاً وثيقًا الفوائد التي تجبي عنها ، وقد حدد أمر ملكي من القرن الثالث فائدة القروض وجعلها 24% في السنة ، وفي أغلب الحالات كان ينص في العقد على الفائدة ، وإلزام المدين بدفع الدين مضافًا إليه 50% منه في حالة عدم الوفاء به في الموعد المحدد، وذلك فضلاً عن الأرباح .
وفي بعض الحالات كان لا ينص في العقد على الفائدة ، وبذلك كان المقترض يعتبر مدينًا بمبلغ أكبر مما اقترضه فعلاً ، وهنا أيضًا إذا حدث تأخير في السداد ، فإن الدين كان يزداد مباشرة بمقدار 50% .
ويبين أنه وفقًا للقانون المصري كان رد عقد القرض للمدين ينهي التزامه قبل الدائن ، أما وفقًا للقانون الإغريقي فإن الالتزام كان ينتهي بسداد الدين ، لكنه لم تلبث أن سادت القاعدة المصرية القائلة بأنه طالما بقى العقد موجودًا فإن الالتزام يبقى قائمًا ، ولذلك كانوا يلجأون إلى عدة وسائل لمواجهة ذلك ، ومنها إلغاء العقد برسم عدد من الخطوط على هيئة صلبان على كل أجزائه ، ومنها أيضًا الحصول على إيصال يتضمن الوعد بعدم المطالبة بالدين .
وقد كانت عقود إيجار الأراضي تتضمن شروطًا شبيهة بما كان ينص عليه في العقود الخاصة بالقروض .
وعندما كان البيع لا يصحبه سداد الثمن والنزول عن حقوق الملكية في الحال ، كان يستخدم بدل العقدين عقد قرض لمدة معينة ، وكان المشتري يعتبر مدينًا للبائع بثمن الشراء .
وقد انتشرت عادة تحرير عقدين منفصلين لكل صفقة بيع مصرية ، إلى حد أن الكتبة الإغريق قد تأثروا بها.
أما فيما يخص الإغريق ، فإنه وفقًا لتشريعات الإسكندرية كان نقل حق ملكية أي عين من شخص إلى آخر يقتضي إعطاء البائع جيرانه ما يعرف بمال الحدود ليتنازلوا له عن حقهم في الشفعة ، ويقرروا أنه يحق له بيع العين وأنه لم يسبق له بيعها إلى شخص آخر ، ويشهدوا على نقل ملكيتها إلى المشتري ، وبعد ذلك كان يدفع كل من البائع والمشتري ضريبة معينة لأمناء الخزانة الذين كانوا يقومون بتسجيل البيع بحسب الحي والوحدة ، لكن هذا النظام لم يلبث أن أدخل عليه تعديل عندما صدر في خلال القرن الثالث أمر ملكي يحظر على أمناء الخزانة تسجيل نقل ملكية أي عين قبل أن يثبت بائعها ملكيته لهذه العين .
وإذا كان الملك قد أصدر للإسكندرية ، برغم استقلالها الذاتي ، تشريعًا خاصًا بتنظيم بيع الممتلكات الثابتة وتسجيلها ، فمن المُرجح أن يكون قد أصدر تشريعًا مشابهًا لنقراطيس وبطوليميس وسائر أنحاء مصر .
وقد كانت عقود البيع الإغريقية في عصر البطالمة تقتفي أثر التقاليد الإغريقية القديمة ، إذ أنها كانت عادة تكتفي بالنص على أن (فلانًا) باع (كذا) و(فلانًا) اشترى (كذا) وعلى الضمانات التي كان القانون الإغريقي يفرضها على الضامنين والوسطاء ، وفي بعض الأحيان ، كان عقد البيع يقرن بعقد تنازل كان البائع يتنازل بمقتضاه عن كل حقوق له على العين المبيعة ، وحوالي آخر القرن الأول قبل الميلاد كانت تستخدم صيغة تجمع بين نصوص عقدي البيع والتنازل .
وقد أخذ المصريون عن الإغريق الطريقة المألوفة لديهم عند بيع العبيد وتتلخص في دفع الثمن وتسجيل انتقال الملكية .
وكان القانون المصري يشترط أن يكون بيع الحيوان بمقتضى "عقد مال ، وفي حالة مطالبة طرف ثالث بالعين المبيعة ، كان البائع مكلفًا بإعطاء المشترى "حيوانًا مماثلاً" أو رد الثمن فضلاً عن مبلغ معين .
أما في القانون الإغريقي ، فإن الشرط الوحيد لإتمام صفقة بيع حيوان كان دفع الثمن ، ولم تكن هناك ضمانات للمشتري ضد أي عيوب بدنية في الحيوان المشتري .
وكان القانونان المصري والإغريقي يعرفان صفقات البيع التي تسلم فيها السلعة فورًا ويسدد الثمن آجلاً . وفي هذه الحالة كان المشتري يحرر صكا أو عقد قرض وهمي بمبلغ يقابل ثمن السلعة المبيعة .