أبرز ملامح نتاج الإسكندرية الأدبي والفكري في العصر الروماني أمرين ، الأول هبوط مستوى الإنتاج الأدبي الشعري ، حيث لا يوجد إلا شعراً مصنوعاً غير مطبوع ، أكثره منظومات وصفية تتناول مواقع جغرافية أو أشخاصاً أي آلهة ، وشتان بين هذا كله وبين أغراض الشعر ومستواه ، كذلك تدهور مستوى الكتابة التاريخية وداخلها التزييف والخيال والانتحال غير أن علماء الموسيون تابعوا عمل أسلافهم في الدراسة الأدبية والنقدية وتحقيق النصوص والتعليق عليها .
والأمر الثاني هو أزدهار الفكر الفلسفي مما يعتبر اتجاهاً جديداً لم يظهر في الإسكندرية من قبل ويبدو أن ملوك البطالمة لم يشجعوا دراسة الفلسفة تفادياً ، فيما يحتمل ، لما يطرحه هذا النوع من النشاط العقلي من تساؤلات قد تمس أساس سلطتهم الملكية المطلقة ، أما الرومان ، فقد وجد من قوادهم وأباطرتهم من يتحمس شخصياً لدراسة الفلسفة وتبني بعضهم مذهباً أو آخر من مذاهبها ، وخاصة الإمبراطور "الرواقي" ماركوس أوريليوس ، فالرواقية كانت أحب المذاهب الفلسفية إلى قلوب الرومان .
غير أن أزدهار الفلسفة في الإسكندرية لم يكن متعلقًا بمدى إعجاب الرومان بالفلسفة أو حتى تشجيعهم إياها ، وإنما كانت ظروف العصر نفسها تبعث على التفكير الفلسفي بين المثقفين ، وفي الإسكندرية ، تلك المدينة التي كانت تعج بالحركة التجارية ، وإليها كانت تنساب مع القادمين من كافة الأجناس شتى الأفكار الدينية من شتى الثقافات ، واجه المثقف نوعاً من الحيرة والأرتباك حين بدا له وكأن كل الأديان القديمة محض هراء وأنتحالات زائفة ، وإلى شيء من هذا التوجه ذهبت دعوة أصحاب مذهب "الأدرية" (الغنوصية) التي أنكرت كل الأديان القائمة وأعتقدت في فكرة إلهية عُليا ثم جاءت الديانة المسيحية التي لم تكن لتتأخر طويلاً في حلتها من أرض فلسطين إلى الإسكندرية فأكدت طرح الثقة بعقائد قديمة كثيرة ، فنزعة التفلسف حين انبعثت من الإسكندرية في ظل هذه الظروف ، قد جاءت مصطبغة بصيغة دينية وأصبح التفكير الفلسفي فيها ذا طبيعة ثيوصوفية .
ويعتبر فيلون اليهودي أول فيلسوف أنتجته بيئة الإسكندرية ، فقد كان يمثل موقف مثقف مفكر يهودي يدين بعقيدة التوحيد ، لكنه في سبيل ذلك تحولت الشخصيات الدينية في التوراة عنده إلى مجرد رموز للأفكار المجردة التي كان كثير منها مستمداً من الفكر الفيثاغوري ، ويفوق فيلون أهمية في مجال الفكر الفلسفي الإسكندري أفلوطين الذي يعتبر زعيم الأفلاطونية الجديدة وهو من بلدة ليكوبوليس (أسيوط) في صعيد مصر ، وقد درس في الإسكندرية على يد أستاذه أمونيوس ساكاس وأقام مذهباً فلسفياً متكاملاً جمع فيه بين عناصر شرقية روحية استلهمها من الحكم المصرية والفارسية والهندية ساكاس وأقام مذهباً فلسفياً متكاملاً جمع فيه بين عناصر شرقية روحية استلهمها من الحكم المصرية والفارسية والهندية وعناصر من الجانب الإلهي من فلسفة أفلاطون والفلسفة الفيثاغورية الجديدة ، وهو على إجمال القول يبدأ بالفلسفة لينتهي باتحاد النفس مع الله .
كذلك في عداد المفكرين الفلاسفة الإسكندريين أثينايوس النقراطيسي الذي يدل على سعة علمه وإحاطته بمختلف المذاهب الفلسفية ، والكتاب الوحيد الموجود من مؤلفاته وهو مأدبة الحكماء ، وهو كتاب ضخم حاكي فيه المؤلف أسلوب فلاسفة قدماء مثل أفلاطون في المأدبة لعرض أرائه بيد أنه لم يبلغ مبلغ هؤلاء .