إن المعلومات عن القضاة المصريين طفيف ، غير أنه لما كان البطالمة قد احتفظوا بالقانون المصري لرعاياهم المصريين ، ولما كانت هذه المحاكم المصرية لتطبيق أحكام القانون المصري أي الفرعوني ، فلابد من أنها تمت بصلة إلى المحاكم الفرعونية ، مع بعض التعديلات التي صادفتها في عهد البطالمة .
أن الإجراءات المتبعة في المحاكم المصرية كانت تتسم بخاصة حكيمة ، وهي الاشتراط بعدم الفصل في الدعاوي إلا على أساس الوثائق المكتوبة ، فالمحكمة المصرية كانت لا تسمح بالمرافعات الشفوية ، وإزاء انتشار الإغريق في مصر وغرامهم بالخطابة والجدل ، لذلك فالمحاكم المصرية في عهد البطالمة أيضًا كانت تحتم إقامة الحجة على أساس الوثائق المكتوبة ، إلا أنها كانت تسمح بالمرافعات الشفوية ، إذ لابد من أن تكون عدوى الخطابة قد انتقلت من الإغريق إلى المصريين ، ولذلك لا يمكن اعتبار المحاكم المصرية في عهد البطالمة سليلة المحاكم الفرعونية ، فكل القرائن تشير إلى أن تلك المحاكم المصرية البطلمية كانت أقل منها شأنًا .
أن الكهنة كانوا أكثر المصريين علمًا وحكمة ودراية بالتقاليد ، وتبعًا لذلك كانوا أقدر من غيرهم على الفصل في مشاكل الناس ،وإذا كانت محاكم القضاة المصريين تتألف من رجال الدين ، فليس معنى ذلك انه كانت لهذه المحاكم صفة دينية .
وتشير الوثائق إلى أنه في خلال القرن الثالث قبل الميلاد كان القائد يأمر بإحالة القضايا إلى هذه المحاكم إذا فشل الحاكم الإداري في التوفيق بين المتخاصمين ، و في خلال القرن الثاني قبل الميلاد أصبحت كل محكمة من هذه المحاكم تتألف من ثلاثة كهنة وكذلك من مدع عام يتضح من لقبه أن وظيفته قد اقتبست من النظام الإغريقي ، وكان المدعي العام يقوم بتلخيص القضايا وتحضيرها وتلاوة الوثائق أمام المحكمة عند انعقادها وتنفيذ ما تصدره من أحكام .
ويعتقد كثيرون من المؤرخون أن محاكم القضاة المصريين كانت لا تفصل إلا في القضايا المدنية ، على عكس المحاكم الفرعونية التي كانت تنظر في قضايا المصريين المدنية والجنائية .
وعلى كل حال فإن الوثائق الديموطيقية تثبت أن محاكم القضاة المصريين كانت كغيرها من المحاكم البطلمية الأخرى ، من حيث أنها كانت لا تفصل في القضايا فحسب بل كان أيضًا يمكن عقد الصلح أمامها بين طرفي الخصومة .