أن سياسة البطالمة الخارجية كانت تستهدف السيطرة على طرق التجارة في بحر إيجة وفي البحر الأحمر ، بل بناء إمبراطورية بحرية ، وأن أهداف هذه السياسة كانت مناهضة لصوالح سوريا ومقدونيا ولاستقلال الكثير من الجزر الإغريقية في بحر إيجة والمدن الإغريقية في آسيا الصغرى ، ومن ثم فإنه كان يتعين أن يكون للبطالمة أسطول كبير .
وقد نجح أولئك البطالمة في بناء إمبراطورية بحرية بلغت أوج اتساعها في عهد بطلميوس الثالث ، واحتفظت مصر بهذه الإمبراطورية إلى أن ضاعت كل ممتلكاتها الخارجية ، ما عدا قبرص وقورينايئة ، في عهد بطلميوس الخامس أبيفانس ، وفضلاً عن ذلك فإن البطالمة قد تمتعوا بسيادة البحار في فترات من عهد بطلميوس الأول والثاني والثالث .
وبعد انهيار إمبراطورية البطالمة ، كانت مصر لا تزال في حاجة إلى أسطول قوي لحماية تجارتها البحرية ، وكانت لا تزال نشيطة ، بل إنها ازدادت نشاطًا عندئذ في البحر الأحمر .
أن الإسكندر ترك في مصر بعد فتحها قوات برية وبحرية ، و مهما يكن عدد هذه القوات فإنها لم تكن كافية لتحقيق أغراض بطلميوس ، ولذلك فإنه مثل أغلب قواد الإسكندر الآخرين اتخذ من القوات التي وجدها في ولايته نواة لبناء قوات أكبر من ذلك وأعظم .
أن الملك كان يبني على الأقل جانبًا من الأسطول على نفقة الدولة ، و جانبًا آخر من الأسطول كان سفنًا يستأجرها الملك ، ولم يكن ذلك أمرًا غريبًا ، فقد كان الملك يستأجر المحاربين الذين يتقنون فنًا معينًا من فنون الحرب .
وفضلاً عن ذلك فإنه كان شائعًا بين ملوك العصر الهلينيسي نظام استئجار السفن والبحارة من المدن ، وأحيانًا استئجار وحدات بحرية من القراصنة .
رجال الأسطول كانوا يتألفون من عنصرين رئيسيين وهما عنصر المجذفين والبحارة ، وعنصر المحاربين .
ووفقًا للنظم المتبعة في كافة أنحاء العالم القديم ، كان العنصر الأول يتألف من أدنى طبقات السكان ، ولما كان البطالمة قد وضعوا المصريين في أسفل الدرك ، وكان طبيعيًا أن يتبع البطالمة النظم المألوفة ، فلابد من أن العنصر الأول في أساطيلهم كان يتألف أساسًا من المصريين .
وتشير القرائن إلى أن المجرمين وأسرى الحرب كانوا أيضًا يشتركون في تكوين العنصر الأول من رجال الأسطول ، و بعض المرتزقة كانوا يستخدمون كذلك في هذا الغرض ، وكان العبيد والمجرمون وأسرى الحرب يميزون عن غيرهم من العاملين سواء في الأسطول الحربي أم الأسطول التجاري بوشمهم بالنار ، ويبدو أن وشم العبيد وأسرى الحرب لم يكن أمرًا استحدثه البطالمة بل يرجع إلى عهد رمسيس الثالث .
أن سفن الأسطول كانت تنقسم إلى وحدات (nauarchiai) ، كل منها تحت إمرة قائد بحري (naurchos) ، وعدد وحدات الأسطول البطلمي كان يختلف تبعًا للعهود المختلفة ، بل تبعًا للظروف المختلفة في عهد واحد .
وبطبيعة الحال كانت لهذه الوحدات قواعد بحرية متعددة كانت أهمها الإسكندرية ، وسلاميس بجزيرة قبرص ، وساموس ، وثيرا ، ومن المحتمل أيضًا قورينايئة .
ولما كان اهتمام البطالمة بتجارة البحر الأحمر قد حدا بهم منذ عهد أولهم إلى القيام بسلسلة من البحوث الكشفية لمعرفة الشواطئ والشعوب وموارد الثورة أولاً في البحر الأحمر وفيما بعد في المحيط الهندي، وإلى القيام بتأسيس عدد كبير من الثغور والمستودعات على الشاطئ الإفريقي للبحر الأحمر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، و قد كان للبطالمة أسطول حربي لتأمين الملاحة في هذا البحر ، و هذا الأسطول قد اتخذ من بعض هذه الثغور قواعد له .
و كان على رأس كل سفينة ضابط (trierarchos) – لا يبعد أنه كان له مساعد (hypotrierarchos) – وأنه كان على رأس كل وحدة بحرية قائد، يظهر أنه كان إلى جانب مهامه البحرية يتولى حكم تلك المنطقة من ممتلكات مصر الخارجية ، التي كانت توجد فيها قاعدة وحدته ، وكذلك قيادة الجنود البريين في تلك المنطقة ، على نحو ما كان شأن حاكم جزيرة قبرص إلا في القرن الثاني قبل الميلاد ، أي في الفترة التي أخذ فيها نفوذ مصر الخارجي يتقلص أمام نفوذ روما في شرق البحر المتوسط .
ويبدو أنه كان يساعد قواد الوحدات ضباط لا نعرف مرتبتهم مثل زينون مساعد القاعد البحري باكخون (Bacchon) .
وقد كان الملك البطلمي القائد الأعلى لقواته البرية والبحرية ، شأنه في ذلك شأن الفراعنة وفيليب المقدوني والإسكندر الأكبر من قبل .
و بعض البطالمة كانوا أحيانًا يتولون قيادة قواتهم البرية ، لكنهم كانوا عادة ينيبون عنهم أحد قواد الجيش ليتولى القيادة العامة دون منحه لقبًا يميزه عن غيره من القواد ودون أن يكون لعمله صفة الدوام .
ويبدو أن الحالة كانت مماثلة لذلك فيما يخص الأسطول ، أي أن الملك كان أحيانًا يتولى بنفسه قيادة الأسطول ، لكنه كان عادة يعهد بالقيادة العامة في الأسطول إلى أحد قواد الوحدات البحرية .
ولم يكن للملك أسطول حربي فحسب بل أيضًا أسطول تجاري كان بعضه بحريًا والبعض الآخر نهريًا .