إذا كانت حال مصر سيئة في عهد فيلوباتور ، فإنها كانت أكثر سوءًا في عهد ابنته وخليفته أبيفانس ، ووقعت أضطرابات شديدة في الأسكندرية ، وكانت الثورة متأججة في بداية عهد أبيفانس في مصر العليا ، وكذلك في مصر السفلي .
فقد بلغ منسوب الفيضان في صيف (عام 197) حدا غير مألوف ، حتى أنه كان يخشى من طغيانه على معدات الحصار التي أقيمت حول ليكوبوليس ، وتفادياً لهذه النكبة ، سدت الفرق الملكية القنوات التي كانت تمد جهة ليكوبوليس بالماء وحولت مجراها في اتجاه آخر ، وعندما رأى زعماء الثورة أنه لم يعد هناك أمل في الاحتفاظ بموقعهم اضطروا إلى التسليم .
يُرى أن هذه الثورة التي يراها البعض مبعثها حقد دفين ضد الإغريق ، لم تكن إلا ثورة ضد الملك لأسباب اقتصادية واجتماعية ، بيد أنه لو كان الأمر كذلك لأفلحت منح الملك المادية في القضاء على الثورة ، وكان الزراع والجنود يشتركون في الثورة بأعداد متزايدة ، مما يدل دون شك على أن الدافع كان قومياً ، و المادة لم تستول إلا على النفوس المريضة ، وإن استكان بعض الكهنة للبطالمة فإن غالبية الأهالي العظمى كانت تعلل الأمل بطرد الطغاة الأجانب وإقامة فرعون قومي .
على اية حال إن العقاب الصارم الذي أنزله أبيفانس بالثوار في عام 197 والمنح التي جاد بها على المصريين لم تضع حداً للثورة ، و استمرت في الجنوب حتى العام التاسع عشر ـ على الأقل ـ من حكم أبيفانس (186ق.م) ، و يبدو أن الثورة استمرت في الجنوب حتى عام 184/183 ، وهو العام الذي قُضى فيه على الثورة في الدلتا ، ومثل الملك بالزعماء المصريين أفظع تمثيل .
ولا يبعد أن هؤلاء الزعماء كانوا ينحدرون من سلالة بعض الفراعنة القدماء ، وعندما يئس أولئك الزعماء الأبرار من نجاح محاولتهم ، سلموا أنفسهم بعد أن أمنهم الملك الإله أبيفانس على حياتهم ، لكنه لم يكن إلهاً باطلاً فحسب بل ملكاً مختلاً تغلب فيه حب الانتقام على كل نزعة شريفة ، فقد شد وثاق أولئك الزعماء إلى عجلته الحربية وجرهم وراءه عارين وشوههم ثم أعدمهم .
لقد هدأت الحال نسبياً في نهاية عهد أبيفانس ، و لم تضع الثورة أوزارها إلا تحت ضغط قوة خصومهم المتفوقة ، و تدهورت حالة البلاد الاقتصادية نتيجة لفساد نظام الحكم وثورة الأهالي .